1. الأغلبية العظمي لم يعتادوا علي اقتناء الصحف ، ولم تتعد نسبة المواظبين علي شراء الجرائد 1% منهم ، وعندما اقترحت علي زملاء إحدى الفرق التي عملت فيها ، شراء الصحف اليومية الثلاث (الأخبار ، الأهرام ، الجمهورية) مقابل مساهمة قدرها خمسة قروش من كل عضو ، لم يتحملوا هذا العبء أكثر من خمسة أيام ، مما أدى إلي فشل المشروع.
2. الأغلبية العظمي منهم كان هدفهم الرئيسي من العمل في المركز هو الحصول علي "قرشين كويسين" من هذا العمل ، وبأقل تكاليف ممكنة ، حيث كانوا يضغطون مصروفاتهم خلال المأموريات إلي أبعد الحدود ، حتي علي حساب المأكل والمشرب ، بحيث يصرفون المكافأة "مشفية"!
3. بلغ الحرص من البعض علي توفير النفقات ، إلي درجة الاكتفاء في وجبة الغداء بعلبة تونة صغيرة وحزمة بصل أخضر!أما إذا دعوا إلي تناول الطعام لدى أحد أبناء البلد الذى نزوره ، فهم يتحولون إلي وحوش كاسرة ، فيتكالبون علي الأكل كالجياع ، ولا يكتفون بما يشبع الجوع ، بل يقضون علي المائدة قضاءا مبرما .. ومن الطريف أن أحدهم كان يدعي أنه يعاني من النقرس حتي لا يشترك معنا في "الميز" تجنبا للّحوم ، ولكنه لا يتردد في تلبية الدعوة علي وليمة مليئة بمختلف أنواع اللحوم ، سواء كانت لحوم طيور أو ضأن أو شمبرى ، بل ويفوز فيها بنصيب الأسد ، وكان يتظاهر ـ أثناء الوليمة ـ بأنه يعاني من النقرس ، ثم ضبتناه وهو يختلس فردة حمام محشية بالفريك وراء الأخرى ، ظنا منه أن أحدا لا يراقبه!
3. نسبة كبيرة كانت تستغني عن المكالمات التليفونية مع الأسرة ، وتكتفي ربما بمكالمة واحدة طوال مدة المأمورية ، التي تمتد إلي أسبوع أو عشرة أيام ، ولا يعنيهم الاطمئنان علي أحد ، بحجة أنهم عاجزون عن عمل شئ أثناء السفر! وقد تعلم مني بعضهم ـ وخصوصا من سكان الأقاليم ـ اقتناء كارت الميناتل الذى لم يسبق لهم رؤيته ، فكان الكارت فئة العشرة جنيهات يستمر معهم حتي نهاية السنة التقويمية!..أما إذا سنحت أمامهم الفرصة بوجود تليفون في إحدى المدارس ، أو في الاستراحة ، فإنهم يتزاحمون من أجل الفوز بأكبر كَم من المكالمات ، وقد كان أحدهم يستخرج من جيبه أجندة التليفونات ليخاطب أقاربه ومعارفه ممن مضت سنوات علي آخر اتصال أجراه معهم!
4. نتيجة لعدم التزام المركز بالتخصصات ، حيث كان من المعتاد تكليف مدير ابتدائي سابق حاصل علي مؤهل متوسط مثل دبلوم المعلمين أو دبلوم زراعة أو صنايع ، بتقويم أداء مدرس فيزياء مثلا ، أو موجه مواد فلسفية يكلف بتقويم (التاريخ والجغرافيا) في الثانوى، فإذا به يدخل المدرسة ليسأل بكل ثقة عن معلمي "الدراسات الاجتماعية" دون أن يعرف حتي أنها تسمي في الثانوي "المواد الاجتماعية" بخلاف الإعدادى ، رغم أنها معلومة تافهة..أو موجه لغة عربية يكلف بتقويم الإدارة المدرسية ، دون أن يكون لديه دراية بأبسط واجبات مدير المدرسة..وهكذا ، وكان بعضهم للأسف يتمادى في إعطاء توجيهات مليئة بالأخطاء ، ومتضاربة مع توجيهات الموجهين الأصليين المسئولين عن المدرسة، مما كان محل دهشة الكثيرين في المدارس التي نقوم بزيارتها! رغم أن أحدا لم يكلفه بإعطاء توجيهات ، أو عقد اجتماعات ، ورغم تكرار التنبيهات في المركز بأن عملنا يقتصر علي رصد الواقع ، من خلال النوذج الموجود في أيدينا!
5. أما الشئ المزعج حقا ، فكان يتمثل في الضعف الشديد الذى ينتاب معظم هؤلاء الرجال الطاعنين في السن ، أمام الجنس اللطيف من الشابات العاملات بالمدارس! وبدرجات متفاوتة. وحدث أمامي مواقف يندى لها الجبين ! فكان أحدهم ـ علي سبيل المثال ـ دائم الهجاء في زوجته أمام السيدات ، وكان يردد عبارة أنها "منتهية الصلاحية"! أما الآخر فكان معروفا بنظراته الحادة لكل امرأة يتصادف وجودها في مرمي النيران ، فإذا ما أتيح له الحديث معها لا يتورع عن التحرش الجنسي بالألفاظ ، والدخول في مسائل لا علاقة لها بالعمل المطلوب منه ، وقد تجرأ يوما أثناء زيارة إحدى مدارس الوجه القبلي بتوجيه سؤال إلي اثنتين من المنقبات ، كانتا تقفان أمامه لعرض السجلات عليه ، قائلا: "مين فيكم أحلي من الثانية؟" ونظرا لأنه "جاى من الوزارة" (حسبما كان يُوحي بذلك) ، فكان من الواجب احترامه واحتماله.وفي مناسبة أخرى فوجئ بغياب معلمة عن العمل في يوم الزيارة رغم معرفتها بهذه الزيارة مسبقا ، فاستشاط غضبا ، وما كان منه إلا أن أرسل يستدعيها من بيتها ، فجاءه الرد محرجا ومخيبا للأمل بأن زوجها رفض قطع إجازتها..ومن نوادر هذا الزميل ، أنه سمعني ذات مرة أتحدث في الاستراحة عن حلاوة الوقت الذى أقضيه في المنزل في العمل أمام الكمبيوتر بينما أستمتع بالاستماع إلي بعض روائع أم كلثوم ، من خلال أحد السيديهات ، فإذا بي أضبطه أثناء زيارتنا لإحدى المدارس في الإدارة التي كنت أعمل بها شخصيا بالإسكندرية ، منفردا بإحدى المعلمات وهو "يغني" عليها بنفس منطوق الرواية التي سمعها مني!.ثم أفاجأ به ـ فيما بعد ـ يطلب مني نسخة من السي دى المذكور ، ولم أتأخر بطبيعة الحال عن تلبية مثل هذا الطلب بدون أى مقابل ، ولكني كلما سألته عن رأيه في السي دي يتبين عدم اهتمامه نهائيا بالأمر ، ويسوق بعض الأعذار الواهية التي تدل علي أنه ألقي به جانبا!.
الدكتور محمد عبد القادر حاتم أحد رموز مصر الإعلاميه فى القرن العشرين
6. لا أحد ـ تقريبا ـ ممن زاملته في مختلف الفرق (أو اللجان) التي عملت بها علي مدار هذه السنوات ، يعرف ـ أو حاول أن يعرف ـ التبعية الحقيقة للمركز الذى يعمل تحت مظلته ، وهو في حقيقة الأمر واحد من المراكز البحثية التي تم إنشاؤها منذ سنوات للمعاونة في رسم السياسات واتخاذ القرارات الخاصة بالتربية والتعليم ، وتخضع مباشرة لوزير التربية والتعليم ، بحكم رئاسته لمجلس الإدارة ، شأنه في ذلك شأن العديد من المراكز القومية الأخرى..وللأسف ، فقد اشتبكت أكثر من مرة مع البعض بسبب إصرارهم علي الخلط بين المركز وبين المجالس القومية المتخصصة ، التي تتبع رئاسة الجمهورية ، وكان يشرف عليها آنذاك د. عبد القادر حاتم ، ويشرف عليها حاليا السيد كمال الشاذلي ، بل وتقديم أنفسهم إلي المدارس التي نزورها علي هذا الأساس الخاطئ!
7. نتيجة لتنامي معرفة المدارس بحقيقة وضع المركز من حيث كون تقاريره استرشادية فقط ، ولا يترتب عليها أية جزاءات ، فقد ذهب البعض لتقديم أنفسهم علي أنهم لجنة متابعة من الوزارة ، أو أنهم مستشارو المواد الدراسية المختلفة ، لدرجة تطوعهم بتقديم زميلهم المختص بتقويم المبني المدرسي بأنه "مستشار المبني المدرسي"ّ! ولا يوجد في الوزارة مثل هذا المسمي! 8. أما الشئ المحزن والمضحك في نفس الوقت ، فهو قيام البعض بالتنطيط ـ وهو اللفظ المعبر بدقة ـ علي العاملين بالمدرسة التي يقومون بزيارتها ، واتباع أسلوب المعاملة الخشنة معهم ، وسرعان ما ينقلب الموقف رأسا علي عقب عندما يفاجئهم أحد أعضاء المركز المكلفين بالمتابعة ، فيتحول أكبرهم سنا ومقاما إلي تلميذ أمام معلمه ، أو مدرس مبتدئ أمام موجهه!
9. من النوادر التي شاهدتها علي الطبيعة أثناء المأموريات ، خروج الفريق ذات مرة من المدرسة محل التقويم قبل مواعيد الانصراف ببعض الوقت ، بالمخالفة لتعليمات المركز ، وبناءا علي رأى الأغلبية..فإذا بهم عند فتح البوابة يفاجئون بسيارة ملاكي ينزل منها إثنان من أعضاء المركز المكلفين بالمتابعة ، فما كان منهم إلا أن بدا عليهم الارتباك ، وعادوا أدراجهم في الحال دون أن يلفظ أحدهم ببنت شفة ، وكان مدير المدرسة علي درجة من الذكاء والحصافة ، بحيث بادر بشرح الموقف مدعيا أن الأساتذة شاهدوا السيارة من نافذة المكتب ، فخرجوا لاستقبالها!
وللحديث بقية.
وللحديث بقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق