أتيح لي خلال فترة العمل بـ : المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوى ـ التابع لوزارة التربية والتعليم ، والذى اشتهر مؤخرا بتطبيق آختبارات تحديد مستوى المعلمين ضمن مشروع كادر المعلم ـ تلك الفترة التي امتدت إلي سبع سنوات دراسية ، أن أحتك عن قرب بالعديد من الزملاء من قدامي المعلمين ، والذين خرجوا مثلي من الخدمة ، معظمهم في وظائف التوجيه ، وأقلهم في وظائف الإدارة المدرسية ، وأقل القليل في وظائف الإدارة العليا من مديرى الإدارات ومديرى العموم ووكلاء الوزارة ، وفيما يلي بعض انطباعاتي عن العمل مع العديد من فرق التقويم التربوى:1. الأغلبية العظمي لم يعتادوا علي اقتناء الصحف ، ولم تتعد نسبة المواظبين علي شراء الجرائد 1% منهم ، وعندما
اقترحت علي زملاء إحدى الفرق التي عملت فيها ، شراء الصحف اليومية الثلاث (الأخبار ، الأهرام ، الجمهورية) مقابل مساهمة قدرها خمسة قروش من كل عضو ، لم يتحملوا هذا العبء أكثر من خمسة أيام ، مما أدى إلي فشل المشروع.2. الأغلبية العظمي منهم كان هدفهم الرئيسي من العمل في المركز هو الحصول علي "قرشين كويسين" من هذا العمل ، وبأقل تكاليف ممكنة ، حيث كانوا يضغطون مصروفاتهم خلال المأموريات إلي أبعد الحدود ، حتي علي حساب المأكل والمشرب ، بحيث يصرفون المكافأة "مشفية"!
3. بلغ
الحرص من البعض علي توفير النفقات ، إلي درجة الاكتفاء في وجبة الغداء بعلبة تونة صغيرة
وحزمة بصل أخضر!أما إذا دعوا إلي تناول الطعام لدى أحد أبناء البلد الذى نزوره ، فهم يتحولون إلي وحوش كاسرة ، فيتكالبون علي الأكل كالجياع ، ولا يكتفون بما يشبع الجوع ، بل يقضون علي المائدة قضاءا مبرما .. ومن الطريف أن أحدهم كان يدعي أنه يعاني من النقرس حتي لا يشترك معنا في "الميز" تجنبا للّحوم ، ولكنه لا يتردد في تلبية الدعوة علي وليمة مليئة بمختلف أنواع اللحوم ، سواء كانت لحوم طيور أو ضأن أو شمبرى ، بل ويفوز فيها بنصيب الأسد ، وكان يتظاهر ـ أثناء الوليمة ـ بأنه يعاني من النقرس ، ثم ضبتناه وهو يختلس فردة حمام محشية بالفريك وراء الأخرى ، ظنا منه أن أحدا لا يراقبه!3. نسبة
كبيرة كانت تستغني عن المكالمات التليفونية مع الأسرة ، وتكتفي ربما بمكالمة واحدة طوال مدة المأمورية ، التي تمتد إلي أسبوع أو عشرة أيام ، ولا يعنيهم الاطمئنان علي أحد ، بحجة أنهم عاجزون عن عمل شئ أثناء السفر! وقد تعلم مني بعضهم ـ وخصوصا من سكان الأقاليم ـ اقتناء كارت الميناتل الذى لم يسبق لهم رؤيته ، فكان الكارت فئة العشرة جنيهات يستمر معهم حتي نهاية السنة التقويمية!..أما إذا سنحت أمامهم الفرصة بوجود تليفون في إحدى المدارس ، أو في الاستراحة ، فإنهم يتزاحمون من أجل الفوز بأكبر كَم من المكالمات ، وقد كان أحدهم يستخرج من جيبه أجندة التليفونات ليخاطب أقاربه ومعارفه ممن مضت سنوات علي آخر اتصال أجراه معهم!4. نتيجة لعدم التزام المركز بالتخصصات ، حيث كان من المعتاد تكليف مدير ابتدائي سابق حاصل علي مؤهل متوسط مثل دبلوم المعلمين أو دبلوم زراعة أو صنايع ، بتقويم أداء مدرس فيزياء مثلا ،
أو موجه مواد فلسفية يكلف بتقويم (التاريخ والجغرافيا) في الثانوى
، فإذا به يدخل المدرسة ليسأل بكل ثقة عن معلمي "الدراسات الاجتماعية" دون أن يعرف حتي أنها تسمي في الثانوي "المواد الاجتماعية" بخلاف الإعدادى ، رغم أنها معلومة تافهة..أو موجه لغة عربية يكلف بتقويم الإدارة المدرسية ، دون أن يكون لديه دراية بأبسط واجبات مدير المدرسة..وهكذا ، وكان بعضهم للأسف يتمادى في إعطاء توجيهات مليئة بالأخطاء ، ومتضاربة مع توجيهات الموجهين الأصليين المسئولين عن المدرسة، مما كان محل دهشة الكثيرين في المدارس التي نقوم بزيارتها! رغم أن أحدا لم يكلفه بإعطاء توجيهات ، أو عقد اجتماعات ، ورغم تكرار التنبيهات في المركز بأن عملنا يقتصر علي رصد الواقع ، من خلال النوذج الموجود في أيدينا!5. أما الشئ المزعج حقا ، فكان يتمثل في الضعف الشديد الذى ينتاب معظم هؤلاء الرجال الطاعنين في السن ، أمام الجنس اللطيف من الشابات العاملات بالمدارس! وبدرجات متفاوتة. وحدث أمامي مواقف يندى لها الجبين ! فكان أحدهم ـ علي سبيل المثال ـ دائم الهجاء في زوجته أمام السيدات ، وكان يردد عبارة أنها "منتهية الصلاحية"! أما الآخر فكان معروفا بنظراته الحادة لكل امرأة يتصادف وجودها في مرمي النيران ، فإذا ما أتيح له الحديث معها لا يتورع عن التحرش الجنسي بالألفاظ ،
والدخول في مسائل لا علاقة لها بالعمل المطلوب منه ، وقد تجرأ يوما أثناء زيارة إحدى مدارس الوجه القبلي بتوجيه سؤال إلي اثنتين من المنقبات ، كانتا تقفان أمامه لعرض السجلات عليه ، قائلا: "مين فيكم أحلي من الثانية؟" ونظرا لأنه "جاى من الوزارة" (حسبما كان يُوحي بذلك) ، فكان من الواجب احترامه واحتماله.وفي مناسبة أخرى فوجئ بغياب معلمة عن العمل في يوم الزيارة رغم معرفتها بهذه الزيارة مسبقا ، فاستشاط غضبا ، وما كان منه إلا أن أرسل يستدعيها من بيتها ، فجاءه الرد محرجا ومخيبا للأمل بأن زوجها رفض قطع إجازتها..ومن نوادر هذا الزميل ، أنه سمعني ذات مرة أتحدث في الاستراحة عن حلاوة الوقت الذى أقضيه في المنزل في العمل أمام الكمبيوتر بينما أستمتع بالاستماع إلي بعض روائع أم كلثوم ، من خلال أحد السيديهات ،
فإذا بي أضبطه أثناء زيارتنا لإحدى المدارس في الإدارة التي كنت أعمل بها شخصيا بالإسكندرية ، منفردا بإحدى المعلمات وهو "يغني" عليها بنفس منطوق الرواية التي سمعها مني!.ثم أفاجأ به ـ فيما بعد ـ يطلب مني نسخة من السي دى المذكور ، ولم أتأخر بطبيعة الحال عن تلبية مثل هذا الطلب بدون أى مقابل ، ولكني كلما سألته عن رأيه في السي دي يتبين عدم اهتمامه نهائيا بالأمر ، ويسوق بعض الأعذار الواهية التي تدل علي أنه ألقي به جانبا!.
الدكتور محمد عبد القادر حاتم أحد رموز مصر الإعلاميه فى القرن العشرين
6. لا أحد ـ تقريبا ـ ممن زاملته في مختلف الفرق (أو اللجان) التي عملت بها علي مدار هذه السنوات ، يعرف ـ أو حاول أن يعرف ـ التبعية الحقيقة للمركز الذى يعمل تحت مظلته ، وهو في حقيقة الأمر واحد من المراكز البحثية التي تم إنشاؤها منذ سنوات للمعاونة في رسم السياسات واتخاذ القرارات الخاصة بالتربية والتعليم ، وتخضع مباشرة لوزير التربية والتعليم ، بحكم رئاسته لمجلس الإدارة ، شأنه في ذلك شأن العديد من المراكز القومية الأخرى..وللأسف ، فقد اشتبكت أكثر من مرة مع البعض بسبب إصرارهم علي الخلط بين المركز وبين المجالس القومية المتخصصة ، التي تتبع رئاسة الجمهورية ، وكان يشرف عليها آنذاك د. عبد القادر حاتم ، ويشرف عليها حاليا السيد كمال الشاذلي ، بل وتقديم أنفسهم إلي المدارس التي نزورها علي هذا الأساس الخاطئ!
7. نتيجة لتنامي معرفة المدارس بحقيقة وضع المركز من حيث كون تقاريره استرشادية فقط ، ولا يترتب عليها أية جزاءات ، فقد ذهب البعض لتقديم أنفسهم علي أنهم لجنة متابعة من الوزارة ، أو أنهم مستشارو المواد الدراسية المختلفة ، لدرجة تطوعهم بتقديم زميلهم المختص بتقويم المبني المدرسي بأنه "مستشار المبني المدرسي"ّ! ولا يوجد في الوزارة مثل هذا المسمي! 8. أما الشئ المحزن والمضحك في نفس الوقت ، فهو قيام البعض بالتنطيط ـ وهو اللفظ المعبر بدقة ـ علي العاملين بالمدرسة التي يقومون بزيارتها ، واتباع أسلوب المعاملة الخشنة معهم ، وسرعان ما ينقلب الموقف رأسا علي عقب عندما يفاجئهم أحد أعضاء المركز المكلفين بالمتابعة ، فيتحول أكبرهم سنا ومقاما إلي تلميذ أمام معلمه ، أو مدرس مبتدئ أمام موجهه!

9. من النوادر التي شاهدتها علي الطبيعة أثناء المأموريات ، خروج الفريق ذات مرة من المدرسة محل التقويم قبل مواعيد الانصراف ببعض الوقت ، بالمخالفة لتعليمات المركز ، وبناءا علي رأى الأغلبية..فإذا بهم عند فتح البوابة يفاجئون بسيارة ملاكي ينزل منها إثنان من أعضاء المركز المكلفين بالمتابعة ، فما كان منهم إلا أن بدا عليهم الارتباك ، وعادوا أدراجهم في الحال دون أن يلفظ أحدهم ببنت شفة ، وكان مدير المدرسة علي درجة من الذكاء والحصافة ، بحيث بادر بشرح الموقف مدعيا أن الأساتذة شاهدوا السيارة من نافذة المكتب ، فخرجوا لاستقبالها!
وللحديث بقية.
وللحديث بقية.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق